/ الْفَائِدَةُ : (7) /

21/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الفارق بين معنى عنوان: (الجبت) و(الطَّاغوت) و(الفرعون) / ينبغي الِالتفات لعناوين ثلاثة، وردت في بيانات الوحي؛ والتفرقة بينها: أَحدها: عنوان : (الجِبْت) ؛ فإِنَّه يُطلق في بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشَّريف ويُراد منه: صاحب ومؤسس أَصل الْبِدْعَة والفتنة، القاطع ـ بفتنةٍ ونهجٍ مُؤسَّسٍ ـ للطَّريق المُستقيم وطريق الهُدَىٰ بوجه المخلوق بعد سلوكه. مثاله: المستولي الأَوَّل. الآخر: (الطَّاغوت)؛ فإِنَّه يُطلق أَيضاً في بيانات الوحي ويُراد منه: المروج للفتن، والمُمدُّ للجوابيت والفراعنة ، ومَنْ كان له دوراً مؤثِّراً في الفتنة ، لكنَّه لا يرتقي ولا يكون بقوَّة تأثير الجِبْت. نعم أَشَدُّ شراسة وطغياناً من الجِبْت في جانب الإِجراء والتنفيذ. مثاله: المستولي الثَّاني. ثالثها: (الفرعون)؛ فإِنَّه يُطلق كذلك في بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشريف ويُراد منه: الصَّاد للعبد مِنْ سلوك الصراط المُستقيم من بداية الطَّريق ، و صاحب المجموعة والمنظومة والنظام الكامل في الظُّلْمِ والْاِضْطِهَادِ في جانب التَّطبيق والتَّنفيذ والإِجراء ؛ بل بحسب منطق بيانات الوحي : أَنَّ كُلَّ نظامٍ سياسيٍّ غير قائمٍ على نظم ومنظومة العدل الإِلٰهيّ فهو نظام فرعونيّ. مثاله: أَبو جهل، والمستولي الثَّالث. ومن ثَمَّ عبَّرت بيانات أَهْلُ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عن رؤساء قريش ـ الَّذين واجهوا سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ، كـ : أَبي جهل ـ بـ : (الفراعنة) ؛ لأَنَّه كان لقريش نظام قَبَلي ، مارس الظُّلْم(1) والاِضْطِهاد في حقِّ سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ومَنْ والآه(2). ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ] (3) . فإِنَّه برهان وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ ظاهرة الفرعونيَّة عبارة عن منظومة ونظام(4) يُمارِس الظُّلْم والْاِضْطِهَاد في جانب التنفيذ والإِجراء ، وهذا بخلاف (الجِبْت) و (الطَّاغوت) ، فإِنَّهما ليسا أَصحاب منظومة ونظام ، وإِنَّما دورهما دور فرديّ ، لكن قد يقوما بأَفعال لا تقوم بها منظومة ونظام . هذه ثلاثة عناوين دينيَّة ووحيانيَّة خطيرة ومُهمَّة جِدّاً (5). وصلى الله على محمد واله الاطهار. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يجدر الْاِلْتِفَات : أَنَّ (المظلوميَّة) في منهاج الوحي الإِلٰهي ليس معناها : (استضعاف الإِنسان لنفسه ، وانكفاءه وانكساره وتخاذله) ـ كما عليه منهج النصرانيَّة المُنحرفة ، وما تُروِّج إِليه الثقافة الغربيَّة تحت عنوان : (التَّسامح والتَّساهل) ؛ لضعضعة الشُّعوب المحرومة ـ بل معناه : الإِيعاز للمظلوم أَنْ يكون عفوّاً وغفوراً ، وأَنْ لا يستوفي من الظالم ـ إِنْ تمكَّن منه ـ أَكثر من حقِّه. وهذا المعنىٰ ظهر جليّاً في تعامل أَهل البيت ـ سيِّد الأَنبياء وسائر أَهل البيت ـ صلوات اللّٰـه عليهم مع مَنْ ظلمهم بعد التمكُّن منه ، والنصوص الوحيانيَّة والتَّاريخيَّة مشحونة بتلك السِّيْرَة فاطرقها تسمع الجواب واضحاً وجليّاً. (2) إِنَّ أَعظم ظلم جرىٰ على البشريَّة لا يَكمُن في إِقصاء أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عن الحُكم ودورهم السياسي ؛ وإِقامتهم للعدل الإِلٰهيّ بين بني البشر ـ سوآء كان عدلًا اقتصاديّاً أَو تجاريّاً أَو أَمنيّاً أَو مجتمعيّاً أَو غيرها ـ بل في إِبعادهم عن أَنْ يكونوا مُعلِّمين وهداة ومربِّين ومزكِّين إِلٰهيِّين للبشريَّة جمعاء. بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ المخلوق يصبح حيواناً وبَهِيمَةً ، بل أَضلّ سبيلاً من دون نور العلم ، فأَعظم شيء في كمال المخلوق تنمية روحه وعقله وقلبه ونوره. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام : «النَّاس إِثنان : عَالِم ، ومُتَعَلِّم ، وسائر النَّاس هَمَج ، والهَمَج في النَّار». بحار الأَنوار ، 1 : 187/ح3. والمراد : من (سائر النَّاس) : باقي النَّاس ، باتِّفاق أَهل اللُّغة ، كما في اللِّسان. والمراد : من (الهَمَج) ـ بالتَّحريك ـ جمع هَمجَة ، وهي : ذباب صغير كالبعُّوض يسقط على وجوه الغنم والحمير وأَعينها. ذكره الجوهري. وبالجملة : مقام سيِّد الأَنبياء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في كونهم مُعلِّمين وهداة ومربِّين ومُزكِّين إِلٰهيِّين أَعظم من مقام الولاية السياسيَّة ، ومقام القيادة والقدرات الماليَّة والعسكريَّة. (3) الأعراف : 141. (4) وهذا ما أَشار إِليه بيان الآية الكريمة بقوله : [آل فرعون] . (5) مَرَّ ، بل سيأتي (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) مَعَانٍ أُخَر لهذه العناوين الثلاثة